فصل: تَعْرِيفٌ بِالشّهَابِ الْعَابِرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.تَعْرِيفٌ بِالشّهَابِ الْعَابِرِ:

قَالَ وَقَالَ لِي آخَرُ رَأَيْتُ فِي يَدِي خَلْخَالًا وَقَدْ أَمْسَكَهُ آخَرُ وَأَنَا مُمْسِكٌ لَهُ وَأَصِيحُ عَلَيْهِ وَأَقُولُ اُتْرُكْ خَلْخَالِي فَتَرَكَهُ فَقُلْتُ لَهُ فَكَانَ الْخَلْخَالُ فِي يَدِك أَمْلَسَ؟ فَقَالَ بَلْ كَانَ خَشِنًا تَأَلّمْتُ مِنْهُ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ وَفِيهِ شَرَارِيفُ فَقُلْته لَهُ أُمّك وَخَالُك شَرِيفَانِ وَلَسْتَ بِشَرِيفٍ وَاسْمُك عَبْدُ الْقَاهِرِ وَخَالُك لِسَانُهُ نَجِسٌ رَدِيءٌ يَتَكَلّمُ فِي عِرْضِك وَيَأْخُذُ مِمّا فِي يَدِك قَالَ نَعَمْ قُلْت: ثُمّ إنّهُ يَقَعُ فِي يَدِ ظَالِمٍ مُتَعَدّ وَيَحْتَمِي بِك فَتَشُدّ مِنْهُ وَتَقُولُ خَلّ خَالِي فَجَرَى ذَلِكَ عَنْ قَلِيلٍ. قُلْت: تَأَمّلْ أَخْذَهُ الْخَالَ مِنْ لَفْظِ الْخَلْخَالِ ثُمّ عَادَ إلَى اللّفْظِ بِتَمَامِهِ حَتّى أَخَذَ مِنْهُ خَلّ خَالِي وَأَخَذَ شَرَفَهُ مِنْ شَرَارِيفِ الْخَلْخَالِ وَدَلّ عَلَى شَرَفِ أُمّهِ إذْ هِيَ شَقِيقَةُ خَالِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنّهُ لَيْسَ بِشَرِيفٍ إذْ شُرُفَاتُ الْخَالِ الدّالّةُ عَلَى الشّرَفِ اشْتِقَاقًا هِيَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ. وَاسْتَدَلّ عَلَى أَنّ لِسَانَ خَالِهِ لِسَانٌ رَدِيءٌ يَتَكَلّمُ فِي عِرْضِهِ بِالْأَلَمِ الّذِي حَصَلَ لَهُ بِخُشُونَةِ الْخَلْخَالِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ فَهِيَ خُشُونَةُ لِسَانِ خَالِهِ فِي حَقّهِ. وَاسْتَدَلّ عَلَى أَخْذِ خَالِهِ مَا فِي يَدَيْهِ بِتَأَذّيهِ بِهِ وَبِأَخْذِهِ مِنْ يَدَيْهِ فِي النّوْمِ بِخُشُونَتِهِ. وَاسْتَدَلّ بِإِمْسَاكِ الْأَجْنَبِيّ لِلْخَلْخَالِ وَمُجَاذَبَةِ الرّائِي عَلَى وُقُوعِ الْخَالِ فِي يَدِ ظَالِمٍ مُتَعَدّ يَطْلُبُ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ. وَاسْتَدَلّ بِصِيَاحِهِ عَلَى الْمُجَاذِبِ لَهُ وَقَوْلِهِ خَلّ خَالِي عَلَى أَنّهُ يُعِينُ خَالَهُ عَلَى ظَالِمِهِ وَبِشَدّ مِنْهُ. وَاسْتَدَلّ عَلَى قَهْرِهِ لِذَلِكَ الْمُجَاذِبِ لَهُ وَأَنّهُ الْقَاهِرُ يَدَهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنّهُ اسْمُهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ شَيْخِنَا هَذَا وَرُسُوخَهُ فِي عِلْمِ التّعْبِيرِ وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ عِدّةَ أَجْزَاءٍ وَلَمْ يَتّفِقْ لِي قِرَاءَةُ هَذَا الْعِلْمِ عَلَيْهِ لِصِغَرِ السّنّ وَاخْتِرَامِ الْمَنِيّةِ لَهُ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ طَيّئٍ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ طَيّئٍ وَفِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلُ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمّ جَاءَنِي إلّا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ: فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا فِيهِ ثُمّ سَمّاهُ زَيْدٌ الْخَيْرُ وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ يُنْجَ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَإِنّهُ قَالَ وَقَدْ سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمٍ غَيْرِ الْحُمّى وَغَيْرِ أُمّ مَلْدَمَ فَلَمْ يُثْبِتْهُ. فَلَمّا انْتَهَى إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ يُقَالُ لَهُ فَرْدَةُ أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ فَلَمّا أَحَسّ بِالْمَوْتِ أَنْشَدَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ** وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرْدَةَ مُنْجِدٍ

أَلّا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ** عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يَجْهَد

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: وَقِيلَ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَهُ ابْنَانِ مُكْنِفُ وَحُرَيْثٌ أَسْلَمَا وَصَحِبَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدَا قِتَالَ أَهْلِ الرّدّةِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ كِنْدَةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي الزّهْرِيّ قَالَ قَدِمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ أَوْ سِتّينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَهُ قَدْ وَتَسَلّحُوا وَلَبِسُوا جِبَابَ الْحِبَرَاتِ مُكَفّفَةً بِالْحَرِيرِ فَلَمّا دَخَلُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوَ لَمْ تُسْلِمُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؟ فَشَقّوهُ وَنَزَعُوهُ وَأَلْقَوْهُ ثُمّ قَالَ الْأَشْعَثُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمِرَارِ وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمِرَارِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ نَاسِبُوا بِهَذَا النّسَبِ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ وَالْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالَ الزّهْرِيّ وَابْنُ إسْحَاقَ: كَانَا تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا سَارَا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَسُئِلَا مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمِرَارِ يَتَعَزّزُونَ بِذَلِكَ فِي الْعَرَبِ وَيَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنّ بَنِي آكِلِ الْمِرَارِ مِنْ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ بَنُو النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ هَيْضَمَ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدَ كِنْدَةَ وَلَا يَرَوْنَ إلّا أَنّي أَفْضَلُهُمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْتُمْ مِنّا؟ قَالَ لَا نَحْنُ بَنُو النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا وَكَانَ الْأَشْعَثُ يَقُولُ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَفَى رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إلّا جَلَدْتُهُ الْحَدّ.

.وَلَدُ النّضْرِ مِنْ قُرَيْشٍ:

وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ فَهُوَ مِنْ قُرَيْشٍ.

.جَوَازُ إتْلَافِ الْمَالِ الْمُحَرّمِ اسْتِعْمَالُهُ:

وَفِيهِ جَوَازُ إتْلَافِ الْمَالِ الْمُحَرّمِ اسْتِعْمَالُهُ كَثِيَابِ الْحَرِيرِ عَلَى الرّجَالِ وَأَنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِضَاعَةٍ.

.مَنْ آكِلُ الْمِرَارِ؟

وَالْمِرَارُ هُوَ شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي وَآكِلُ الْمِرَارِ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حِجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدَةَ وَلِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَدّةٌ مِنْ كِنْدَةَ مَذْكُورَةٌ وَهِيَ أُمّ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ وَإِيّاهَا أَرَادَ الْأَشْعَثَ. أَبِيهِ فَقَدْ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ وَقَفَى أُمّهُ أَيْ رَمَاهَا بِالْفُجُورِ. وَفِيهَا: أَنّ كِنْدَةَ لَيْسُوا مِنْ وَلَدِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. وَفِيهِ أَنّ مَنْ أَخْرَجَ رَجُلًا عَنْ نَسَبِهِ الْمَعْرُوفِ جُلِدَ حَدّ الْقَذْفِ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ الْأَشْعَرِيّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ:

رَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَقْدَمُ قَوْمٌ هُمْ أَرَقّ مِنْكُمْ قُلُوبًا فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيّونَ فَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ:
غَدًا نَلْقَى الْأَحِبّةَ ** مُحَمّدًا وَحِزْبَهُ

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقّ أَفْئِدَةً وَأَضْعَفُ قُلُوبًا وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَالسّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدّادِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلَعِ الشّمْس وَرُوِينَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ كَأَنّهُمْ السّحَابُ هُمْ خِيَارُ مَنْ فِي الْأَرْض فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: إلّا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَسَكَتَ ثُمّ قَالَ إلّا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَسَكَتَ ثُمّ قَالَ إلّا أَنْتُمْ كَلِمَةً ضَعِيفَةً. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: أَنّ نَفَرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ فَقَالُوا: بَشّرْتنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيُمْنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا ثُمّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْنَا لِنَتَفَقّهَ فِي الدّينِ وَنَسْأَلَك عَنْ أَوّلِ هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ كَانَ اللّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذّكْرِ كُلّ شَيْءٍ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ الْأَزْدِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ فَخَرَجَ صُرَدُ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِجُرَشَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةٌ مُغْلَقَةٌ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِمَسِيرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ وَامْتَنَعُوا فِيهَا فَرَجَعَ كَانَ فِي جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكَرَ ظَنّ أَهْلُ جُرَش أَنّهُ إنّمَا وَلّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتّى إذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جُرَشَ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشِيّةً بَعْدَ الْعَصْرِ إذْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيّ بِلَادِ اللّهِ شَكَرُ؟ فَقَامَ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللّهِ بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ. كَشَرُ وَكَذَلِكَ تُسَمّيهِ أَهْلُ جُرَشَ فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ بكَشَرَ وَلَكِنّهُ شَكَرُ قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ فَقَالَ إنّ بُدْنَ اللّهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ قَالَ فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَإِلَى عُثْمَانَ فَقَالَا لَهُمَا: وَيْحكُمَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمَكُمَا فَقُومَا إلَيْهِ فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا فَقَامَا إلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ فَقَالَ اللّهُمّ ارْفَعْ عَنْهُم فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعَيْنِ إلَى قَوْمِهِمَا فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا أُصِيبُوا فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ فَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمُوا وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرَ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عَشْرٍ إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَان وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلْهُمْ فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ الرّكْبَانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُونَ أَيّهَا النّاسُ أَسْلِمُوا لِتَسْلَمُوا فَأَسْلَمَ النّاسُ وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكَتَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُقْبِلَ وَيُقْبِلَ مَعَهُ وَفْدُهُمْ فَأَقْبَلَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُهُمْ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغَضّة وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمُدَانِ وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجّلِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قُرَادٍ وَشَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالُوا: لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا. قَالَ بَلَى. قَالُوا: كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَتَفَرّقُ وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ. قَالَ صَدَقْتُمْ وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَرَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيّةٍ مِنْ شَوّالٍ أَوْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَلَمْ يَمْكُثُوا إلّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ هَمْدَانَ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ هَمْدَانَ مِنْهُمْ مَالُك بْنُ النّمَطِ وَمَالُك بْنُ أَيْفَعَ؛ وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ فَلَقُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيّةُ عَلَى الرّوَاحِلِ الْمَهْرِيّةِ وَالْأَرْحَبِيّةِ وَمَالُك بْن النّمَطِ يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُ:
إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرّيفِ

فِي هَبَوَاتِ الصّيْفِ وَالْخَرِيفِ

مُخَطّمَاتٍ بِحِبَالِ اللّيفِ

وَذَكَرُوا لَهُ كَلَامًا حَسَنًا فَصِيحًا فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا أَقْطَعَهُمْ فِيهِ مَا سَأَلُوهُ وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ مَالَك بْنَ النّمَطِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ ثَقِيفٍ وَكَانَ لَا يَخْرُجُ لَهُمْ سَرْحٌ إلّا أَغَارُوا عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْت فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَقَمْنَا سِتّةَ أَشْهُرٍ يَدَعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ ثُمّ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْفِلَ خَالِدًا إلّا رَجُلًا مِمّنْ كَانَ مَعَ خَالِدٍ أَحَبّ أَنْ يُعْقِبَ مَعَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلْيُعْقِبْ مَعَهُ قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقّبَ مَعَ عَلِيّ فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ الْقَوْمِ خَرَجُوا إلَيْنَا فَصَلّى بِنَا عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثُمّ صَفّنَا صَفّا وَاحِدًا ثُمّ تَقَدّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَرَأَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ جَمِيعًا فَكَتَبَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمّا قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكِتَابَ خَرّ سَاجِدًا ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ السّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ. وَهَذَا أَصَحّ مِمّا تَقَدّمَ وَلَمْ تَكُنْ هَمْدَانُ أَنْ تُقَاتِلَ ثَقِيفًا وَلَا تُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِمْ فَإِنّ هَمْدَانَ بِالْيَمَنِ وَثَقِيفًا بِالطّائِفِ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ مُزَيْنَةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

رُوِينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ النّعْمَانِ بْنِ مُقَرّنٍ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَلَمّا أَرَدْنَا أَنْ نَنْصَرِفَ قَالَ يَا عُمَرُ زَوّدْ الْقَوْمَ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلّا شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ مَا أَظُنّهُ يَقَعُ مِنْ الْقَوْمِ مَوْقِعًا قَالَ انْطَلِقْ فَزَوّدْهُمْ قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ عُمَرُ فَأَدْخَلَهُمْ مَنْزِلَهُ ثُمّ أَصْعَدَهُمْ إلَى عُلّيّةَ فَلَمّا دَخَلْنَا إذَا فِيهَا مِنْ التّمْرِ مِثْلُ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ فَأَخَذَ الْقَوْمُ مِنْهُ حَاجَتَهُمْ قَالَ النّعْمَانُ فَكُنْت فِي آخِرِ مَنْ خَرَجَ فَنَظَرْتُ فَمَا أَفْقِدُ مَوْضِعَ تَمْرَةٍ مِنْ مَكَانِهَا.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ دَوْسٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا قَالُوا لَهُ إنّك قَدِمْتَ بِلَادَنَا وَإِنّ هَذَا الرّجُلَ- وَهُوَ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا- فَرّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتّتَ أَمْرَنَا وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَابْنِهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَإِنّمَا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ حَلّ عَلَيْنَا فَلَا تُكَلّمْهُ وَلَا تَسْمَعْ مِنْهُ قَالَ فَوَا اللّهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْت أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلّمَهُ حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ. قَالَ فَغَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَقُمْتُ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاثْكَلْ أُمّيَاه وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ؟ فَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ حَسَنًا قَبِلْت وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُ. قَالَ فَمَكَثْتُ حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ فَتَبِعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا مُحَمّدُ إنّ قَوْمَك قَدْ قَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا فَوَا اللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت أُذُنِيّ بِكُرْسُفٍ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك ثُمّ أَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِيهِ فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ فَأَسْلَمْت وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقّ وَقُلْتُ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي وَإِنّي رَاجِعٌ إلَيْهِمْ فَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُ اللّهَ لِي أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ عَوْنًا لِي عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ اللّهُمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً قَالَ فَخَرَجْتُ إلَى قَوْمِي حَتّى إذَا كُنْتُ بِثَنِيّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيّ مِثْلَ الْمِصْبَاحِ قُلْتُ اللّهُمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي إنّي أَخْشَى أَنْ يَظُنّوا أَنّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينِهِمْ قَالَ فَتَحَوّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ وَأَنَا أَنْهَبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثّنِيّةِ حَتّى جِئْتهمْ وَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ فَلَمّا نَزَلْت أَتَانِي أَبِي وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَقُلْتُ إلَيْك عَنّي يَا أَبَتِ فَلَسْتَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْك قَالَ لِمَ يَا بُنَيّ؟ قُلْتُ قَدْ أَسْلَمْت وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمّدٍ. قَالَ يَا بُنَيّ فَدِينِي دِينُك. قَالَ فَقُلْت: اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهّرْ ثِيَابَك ثُمّ تَعَالَ حَتّى أُعَلّمَك مَا عَلِمْتُ. قَالَ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثِيَابَهُ ثُمّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي فَقُلْتُ لَهَا: إلَيْكِ عَنّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنّي. قَالَتْ لِمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي؟ قُلْتُ فَرّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنِي وَبَيْنِك أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمّدٍ. قَالَتْ فَدِينِي دِينُك. قَالَ قُلْتُ فَاذْهَبِي فَاغْتَسِلِي فَفَعَلَتْ ثُمّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ ثُمّ دَعَوْتُ دَوْسًا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيّ فَجِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الزّنَى فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللّهُمّ اهْدِ دَوْسًا ثُمّ قَالَ ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَادْعُهُمْ إلَى اللّهِ وَارْفُقْ بِهِمْ فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ ثُمّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرَ فَنَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ ثُمّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَارْتَدّتْ الْعَرَبُ خَرَجَ الطّفَيْلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَتّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ ثُمّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطّفَيْلِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي: رَأَيْت أَنّ رَأْسِي قَدْ حُلِقَ وَأَنّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ وَأَنّ امْرَأَةً لَقِيَتْنِي فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا وَرَأَيْتُ أَنّ ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَبًا حَثِيثًا ثُمّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنّي. قَالُوا: خَيْرًا رَأَيْت. قَالَ أَمَا وَاَللّهِ إنّي قَدْ أَوّلْتُهَا. قَالُوا: وَمَا أَوّلْتَهَا؟ قَالَ أَمّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ وَأَمّا الطّائِرُ الّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي وَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي أَدْخَلَتْنِي فِي ابْنِي إيّايَ وَحَبْسُهُ عَنّي فَإِنّي أَرَاهُ سَيَجْهَدُ لِأَنْ يُصِيبَهُ مِنْ الشّهَادَةِ مَا أَصَابَنِي فَقُتِلَ الطّفَيْلُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ وَجُرِحَ ابْنُهُ عَمْرٌو جُرْحًا شَدِيدًا ثُمّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ شَهِيدًا فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.